فصل: مسألة ما يجوز للورثة من المصالحة إذا ترك المتوفى مالا يفي بديون الغرماء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة العروض تكون مختلفة فيبيعها في صفة واحدة ويقبض بعض ثمنها:

وسئل ابن القاسم عن الأثمان إذا كانت مختلفة أو العروض تكون مختلفة فيبيعها في صفة واحدة ويقبض بعض ثمنها ثم يفلس مشتريها قبل أن يقبض بقيته، قال: يقوم ثم يفض الثمن عليها ثم ينظر إلى ما اقتضى فيوضع على كل سلعة قدر ما يصيبها في المحاصة من قدر الثمن، فإن شاء الغرماء أن يتموا له بقية ثمن السلعة التي وجد على قدر المحاصة كان ذلك لهم، وإن أبوا وشاء البائع أخذها رد بقدر ما اقتضى من ثمنها وأخذ. سلعته، وتفسير ذلك أن يبيع ثلاثة أرؤس بمائة دينار ويقبض من الثمن ثلاثين دينارا ثم يفلس ويكون قيمة العبيد أحدهم نصف الثمن، والآخر ثلاثة أعشار الثمن، والآخر عشري الثمن، فيقسم الثلاثين على قيمة العبيد فيكون لصاحب النصف خمسة عشر، ولصاحب الثلاثة أعشار تسعة دنانير، ولصاحب العشرين ما بقي، فما فات منهم كان له في مال الغريم بقية ثمنه يحاص به الغرماء، إن فات الذي قيمته نصف المائة كان قد اقتضى من ثمنه خمسة عشر وبقي له من ثمنه خمسة وثلاثون يحاص به الغرماء، وإن أدركه فأراد أخذه رد مما قبض خمسة عشر دينارا واحدة إلا أن يرغب الغرماء في حبسه فيعطوه خمسة وثلاثين دينارا تمام الثمن، وكذلك إن أدرك صاحب العشرين فكان قد اقتضى من ثمنه ستة دنانير وبقي له من ثمنه أربعة عشر، وإن أدرك صاحب الثلاثة أعشار كان قد اقتضى من ثمنه تسعة دنانير وبقي له من ثمنه أحد وعشرون، فعلى ما فسرت لك يكون الأمر فيهم، وإن أراد الغرماء أن يأخذوه أعطوه بقية الثمن على ما فسرت لك الغرماء يخيرون عليه.
قال الإمام القاضي: هذه المسألة حقها أن تكون متصلة بالمسألة الأولى من الرسم لأنها معطوفة عليها لأنها في المعنى مثلها، إذ لا فرق في المعنى بينهما إلا في فض الثمن على ما فات منها، وما بقي فهو يفض في المسألة الأولى على العدد لاستواء المكيل والموزون في الصفة والقيمة، وفي هذه على القيم لاختلاف العروض في الصفة والقيمة، فيدخل فيها من الاختلاف ما ذكرناه في المسألة الأولى، ولا معنى لإعادته، والله الموفق.

.مسألة أنفق من مال يتيمه في صنيع يصنعه له:

وقال فيمن ولي يتيما فزوجه أو ختنه فأنفق في ذلك من ماله نفقة عظيمة ودعا لعابين وجعل لهم من ماله جعلا، قال مالك: كل ما أنفق من ماله في باطل فعليه غرم ذلك، وما أنفق في وليمته من نفقة في صنيع معروف بغير سرف فليس بذلك بأس ولا بأس على من دعي إليه أن يأكل منه.
قال محمد بن رشد: ساوى في ظاهر قوله بين التزويج والختان في أنه لا ضمان عليه فيما أنفق من مال يتيمه في صنيع يصنعه له في ذلك بغير سرف، وهو في التزويج أبين، لأن الوليمة فيه حق، وقد أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها، فهي مندوب إليها، ومحضوض عليها، ومن أهل العلم من أوجبها بظاهر الأمر بها، والدعوة في الختان ليست بواجبة عند أحد من أهل العلم ولا بمستحبة، وإنما هي من قبل الجائز الذي لا يكره تركه، ولا يستحب فعله، فالوجه في إسقاط الضمان في ذلك عن الوصي ما جرى من العرف والعادة بفعل أهل الثروة ذلك حتى صار ترك ذلك عندهم لوما. وأما ما أنفق من ماله في لعب ولهو فلا إشكال في أنه لذلك ضامن كما ذكر، وبالله التوفيق.

.مسألة الخراج بالضمان:

وقال مالك في الرجل يوصي إلى رجل بولده ويترك ثلاثمائة دينار ويأمر الوصي أن يتجر لهم فيها فيتجر لهم فيها الوصي فتصير ستمائة دينار ثم يأتي دين على الميت ألف دينار، قال: أرى أن تؤخذ الستمائة دينار كلها في الدين، وذلك أن الثلاثمائة دينار لو أنفقها الوصي على الورثة لم يضمنها له الوصي ولم يضمنها له الورثة المولى عليهم، ولو كان الورثة كبارا كلهم لا يولى عليهم لم يستخلف عليهم وليس مثلهم يولى عليهم باعوا مال الميت ثم تجروا بما نض في أيديهم من المال لم يكن عليهم إلا ما كان نض في أيديهم، ولهم نماؤه وعليهم نقصانه، وكذلك ما غابوا عليه من العين، وأما الحيوان الذي ورثوا مما تلف فإنه ليس عليهم ضمان ما مات من ذلك إذا مات بأيديهم، قال ابن القاسم: أخبرني بهذه المسألة من أثق به عن مالك ولم أسمعها أنا منه.
قال محمد بن رشد: قوله وذلك أن الثلاثمائة دينار لو أنفقها الوصي على الورثة لم يضمنها الوصي ولم يضمنها الورثة المولى عليهم هو نص قول مالك في النكاح الثاني من المدونة خلاف قول المخزومي فيه، وإنما قال: إن الستمائة دينار كلها تؤخذ في الدين لأن ربح المال تابع للضمان فيه لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الخراج بالضمان» فلما كان عند مالك رَحِمَهُ اللَّهُ ضمان الثلاثمائة دينار من الغريم الذي أحيا الدين على الميت تلفت في يد الموصى الذي يتجر بها أو أنفقها على يتيمه وجب أن يكون الربح له، والمخزومي يرى أن الربح للأيتام والضمان عليهم، وسواء كان الذي ترك المتوفى ناضا أو عروضا فباعها الوصي وتجر فيها للأيتام، وفرق ابن الماجشون بين العين والعروض فقال في العين كقول ابن القاسم وفي العروض إذا باعها الوصي كقول المخزومي، وهذا إذا لم يعلم الوصي بالدين الطارئ، وأما إذا علم به فتجر في المال فهو كالمتعدي في الوديعة يتجر بها فيكون الربح فيها له والضمان عليه، واختلافهم في هذه المسألة مبني على اختلافهم في الدين الطارئ على الميت هل هو متعين في عين التركة أو واجب في ذمة الميت، فمن قال إنه متعين في عين التركة لأن الميت لا ذمة له إذ قد............ قد جعل الربح للغرماء لأن المال قد تعين لهم، ومن قال إنه واجب في الذمة إذ قد يطرأ له مال لم يعلم به فيكون دينهم فيه إن تلف هذا المال جعل الربح للأيتام، والله الموفق.

.مسألة يأخذ الأم ويحاص الغرماء بما وصل إليه من ثمن الولد:

ومن كتاب سلعة سماها:
وسئل عن الرجل يبيع الرمكة من الرجل بثمن إلى أجل فيأخذها المشتري فينزي عليها فتنتج عنده فيبيع نتاجها ثم يفلس فيجد البائع رمكته فيقول: أنا أريد أن آخذ رمكتي وأحسب عليهم يريد الغرماء ما باع من نتاجها، وقال الآخرون له: لا ولكن إن شئت فخذها بجميع مالك وإلا فدعها وقاضنا، فتفكر فيها طويلا ثم قال: أريتك لو باع عبدا فاستغله؟ ثم قال: أريتك لو باع منها بأكثر من ثمنها مثل أن يكون ابتاعها بعشرين ثم باع منها بثلاثين دينارا بأي شيء يريد أن يرجع؟ ثم قال: ما أرى له شيئا إلا أن يأخذها بجميع ماله الذي باعها به أو يتركها ويحاص الغرماء.
قال محمد بن رشد: حكم للولد في هذه المسألة بحكم الغلة إذ قال: إنه إذا باع نتاجها ثم فلس أنه ليس للبائع إلا أن يأخذها بجميع ماله الذي باعها به، أو يتركها ويحاص الغرماء، وقد اختلف في ذلك فقيل: إنه يأخذها بما يقع عليها من الثمن، وذلك بأن يفض على قيمتها يوم وقع البيع وعلى قيمة الولد يوم بيعوا ويحاص الغرماء بما يقع على الأولاد منه، وقيل فيه أيضا: إنه يأخذ الأم ويحاص الغرماء بما وصل إليه من ثمن الولد، وهذا القول هو الذي أنكره في هذه الرواية، وأما إذا باع الأمهات وأدرك الأولاد فقيل: إنه يأخذهم بما ينوبهم من الثمن إذا فض على قيمة الأم يوم وقع البيع فيها وعلى قيمة الأولاد يوم بيعوا ويحاص الغرماء بما ناب الأم منه، وهو قول ابن القاسم في رسم بع ولا نقصان عليك من سماع عيسى بعد هذا، ووقع فيه لمالك أن الأم تقوم فيحاص الغرماء بقيمتها ويأخذ الولد، وهو غلط، والله أعلم، فقد رأيت في بعض الكتب أخذ الولد بما يصيبهم من الثمن وحاص الغرماء بما يصيب الأم من الثمن مثل قول ابن القاسم، وهو الصحيح. وأما إذا مات الولد أو الأم فلا اختلاف في أنه ليس له أن يأخذ إلا الباقي منها بجميع الثمن أو يتركه ويحاص الغرماء، فهذا هو تحصيل القول في هذه المسألة.

.مسألة إسقاط الحق قبل وجوبه:

وسئل عن رجل صالح رجلا على دراهم كانت له عليه على أن يدفع إليه خمسة دراهم كل شهر وليس للذي عليه الحق أن يستحلف طالب الحق إن ادعى أنه دفع إليه شيئا لم يأت ببينة عليه، قال مالك: هذا الشرط غير جائز، وإن قيم عليه حلف، ولا ينفعه ما كتب في شرطه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة كان الشيوخ يحملونها على الخلاف لما في آخر الرسم الأول من سماع أشهب من كتاب العيوب من إعماله الشرط فيه بإسقاط اليمين، ولما في رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب البضائع والوكالات من تفرقته في ذلك بين المأمون وغير المأمون، وبين الذي يبيع لنفسه ولغيره، فيحصلون من ذلك في المسألة ثلاثة أقوال: إعمال الشرط، وإبطاله، والتفرقة بين المأمون والذي يبيع لغيره، وبين الذي ليس بمأمون ويبيع لنفسه، والذي أقول به إنها ليست بخلاف لذلك؛ لأن المعنى فيها مختلف: تلك أسقط اليمين فيها إن كانت قد وجبت قبل أن يعلم بوجوبها، وهذه أسقط اليمين فيها قبل وجوبها، فلا يدخل الاختلاف فيها إلا بالمعنى من أجل أن إسقاط الحق قبل وجوبه أصل مختلف فيه في المذهب لا من هذه المسائل، وقد مضى بيان هذا مستوفى في سماع أشهب من كتاب العيوب، فقف على ذلك هناك وتدبره، وبالله التوفيق.

.مسألة تكارى من رجل على محامل كراء مضمونا فلم يحمله حتى هلك المكاري:

ومن كتاب القبلة:
وسئل مالك عن رجل تكارى من رجل على محامل أو أحمال كراء مضمونا فلم يحمله حتى هلك المكاري وعليه للناس دين، قال: يكون المتكاري أسوة الغرماء يحاصهم بقدرها كما لو أن رجلا سلف في سلعة موصوفة يضمنها البائع للمشتري ثم مات البائع معدما وترك ديونا حاص المبتاع الغرماء في تركة البائع بقيمة السلعة يوم تكون المحاصة والقضاء حتى يصير له نصف سلعته إن كان يصير للغرماء نصف حقوقهم، وثلثها إن صار لهم ثلث حقوقهم، ولا يدفع إليه ذلك ثمنا، ولكن يشتري له من تلك السلعة على شرطه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة، وقوله يحاصهم بقدرها يريد بقيمة الركوب معجلا لا إلى أجل إن كان مؤجلا كما تكون المحاصة بالسلع الثابتة في الذمة إلى أجل بقيمتها حالة يوم تكون المحاصة والقضاء، هذا قول مالك في هذه الرواية، ومثله في سماع أصبغ بعد هذا خلاف قول سحنون إنه يحاص له بقيمة ذلك إلى أجله فما صار له في المحاصة بقيمة الكراء لا يقضيه ولكن يكتري له به إلى الجهة التي يريد السير إليها، ولا يجوز له أن يأخذ ما وقع له في المحاصة على أن يتبع المكري ببقية حقه لأن ذلك رباء وقيل: إن ذلك جائز لأن التفليس يرفع التهمة، ولو أراد أن يأخذ ذلك بجميع حقه لجاز إن كان ذلك مثل رأس ماله فأقل برضى المكتري لأنه إقالة، ومعنى المسألة أنه لم يقبض الجمال ولا ركب، ولو قبض أو حمل عليها لكان أولى بها، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يرهقه الدين فيقوم غرماؤه عليه فيمكنهم من ماله:

ومن كتاب شك:
وسئل مالك عن الرجل يرهقه الدين فيقوم غرماؤه عليه فيمكنهم من ماله فيبيعونه ويقتسمونه ولا يأتون السلطان، ثم يداينه آخرون فيريدون أن يدخلوا عليهم فيما في أيديهم، قال: ليس ذلك لهم، وأرى إذا بلغوا هذا أن يكون مثل من جاء إلى السلطان، وأرى الآخرين فيه أسوة، وإنما يكون الآخرون أولى من الأولين إذا كان ذلك من كسبه.
قال محمد بن رشد: قوله إذا كان ذلك من كسبه يريد إذا كان ذلك مما اكتسبه بالتجارة من أموال الغرماء الآخرين لأن ما اكتسبه ببدنه من إجارة أو عمل صناعة فالأولون يدخلون فيه مع الآخرين، وقوله: إن تفليس غرمائه إياه فيما بينهم دون السلطان تفليس بمنزلة تفليس السلطان هو مثل ما في سماع أصبغ وأبي زيد بخلاف إذا قاموا عليه فلم يجدوا عنده شيئا، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة ما يجوز للورثة من المصالحة إذا ترك المتوفى مالا يفي بديون الغرماء:

ومن كتاب ليرفعن أمرا:
وسئل مالك عن رجل هلك وعليه دين فقال ابنه لغرمائه: من أراد منكم أن أصالحه على النصف ويكون أبي في سعة فعلت، ففعلوا، أترى أباه قد برئ من الدين وأنه من ذلك في حل؟ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا كلام، لأن المعنى فيها أن الميت لم يترك مالا فسواء صدقه الغرماء في أنه لم يترك مالا أو كذبوه، لأنهم إن صدقوه وقع الصلح على التحليل خاصة وإن كذبوه وقع على التحليل وعلى إسقاط اليمين، وإن جاء غريم آخر لم يعلم به لم يلزمه أن يصالحه كما صالح الأولين، ولم يكن له عليه إلا اليمين، ولا كان من حقه أن يدخل على الأولين فيما صالحوا به، وسيأتي في الرسم الذي بعد هذا، وفي رسم يسلف، ورسم البيوع من سماع أشهب القول فيما يجوز للورثة من المصالحة إذا ترك المتوفى مالا يفي بديون الغرماء، وبالله التوفيق.

.مسألة تقرعند الموت بصداق كان على زوجها أنها قبضته منه:

وسئل مالك عن المرأة تقر عند الموت بصداق كان على زوجها أنها قبضته منه أتصدق في ذلك؟ قال: هذه وجوه تختلف، أما كل امرأة يكون لها أولاد قد كبروا وقد يكون بينها وبينه غير الحسن فهذه لا تتهم أن تكون ولجت ذلك إليه، وأرى أن تصدق في ذلك، وأما المرأة التي لا ولد لها ومثلها يتهم فلا أرى ذلك بجائز، ومثل ذلك الرجل يقر بالدين للرجل، فلو أقر لولد أو لأخ أو لأب أو لمن يتهم أن يصنع ذلك له لانقطاعه إليه من الرجال أو غيرهم لم أر أن يجوز ذلك إليه ولو كان لمن لا يتهم عليه مثل التجار الذين يعرفوا أنهم لم يكن بينهم من الأمور الذين لا يتهمونه على شيء رأيت ذلك جائزا، قال سحنون: وقد يتهم أيضا في صديق ملاطف إذا كان ورثته عصبة.
قال الإمام القاضي: قد مضى في آخر أول رسم من السماع تحصيل القول في إقرار أحد الزوجين لصاحبه بدين في المرض، فلا معنى لإعادته، وأما إقرار من سوى أحدهما لصاحبه بدين في المرض فلا يخلو من أربعة أوجه: أحدها أن يقر لوارث، والثاني أن يقر لقريب غير وارث أو صديق ملاطف، والثالث أن يقر لأجنبي، والرابع أن يقر لمن لا يعرف، فأما إذا أقر لوارث والمقر له من الورثة في القرب من المقر بمنزلة من لم يقر له منهم مثل أن يقر لأحد ولده أو لأحد إخوته أو لأحد بني عمه الوارثين له وما أشبه ذلك، أو أقرب منهم مثل أن يقر لابنته وله عصبة أو لأخ شقيق وله أخ لأم أو لأمه وله أخ شقيق، أو لأب أو لأم أو عم أو ابن عم، فإن هذا لا اختلاف في أن إقراره له لا يجوز. قال في كتاب ابن المواز: إذا لم يكن لذلك وجه أو سبب يدل على صدقه وإن لم يكن قاطعا إلا أن يكون المقر له عاقا والذي لم يقر له بارا به فقيل: إن إقراره له جائز كالزوجة إذا أقر لها وقد عرف الشنآن والبغض منه لها، وقيل: إن إقراره له غير جائز بخلاف الزوجة على اختلاف الرواية في ذلك في المدونة، وأما إذا أقر لوارث والمقر له من الورثة أبعد من المقر ممن لم يقر له منهم، مثل أن يقر لعصبة وله ابنة أو لأخ لأم وله أخ شقيق، أو لأخ شقيق أو لأب أو لأم وله أم فإن هذا لا اختلاف في أن إقراره له جائز، واختلف إن كان من لم يقر له من ورثته بعضهم أقرب إليه من المقر له وبعضهم بمنزلته مثل أن يقر لبعض إخوته أو عصبته وله ابنة، أو لبعض بني عمه وله أخت، أو كان من لم يقر له منهم بعضهم أقرب إليه من المقر له وبعضهم أبعد منه، مثل أن يقر لأمه وله ابنة وأخ أو أخت أو ما أشبه ذلك على قولين: أحدهما أن إقراره جائز لأنه لا يتهم على ابنته للعصبة، ولا على ابنته لأمه، والثاني أن إقراره لا يجوز لأنه يتهم على بعض العصبة لبعض وعلى أمه لأخيه أو لأخته، لأنه إذا أقر لبعض العصبة وله ابنة فقد أخذ من الابنة ومن بعض العصبة أو أعطى بعض العصبة، فمرة رأى إقراره جائزا لأنه لا يتهم في أن ينتقص الابنة، ومرة رأى إقراره غير جائز لأنه رأى أن ينتقص بعض العصبة دون بعض. وأما إذا أقر لقريب غير وارث أو صديق ملاطف فالمشهور في المذهب أن إقراره يجوز إن كان يورث بولد، ولا يجوز إن كان يورث بكلالة، وهو قول سحنون هذا، وقيل: إن إقراره جائز كان يورث بكلالة أو ولد، والقولان في المدونة على ما وقع من اختلاف الرواية في كتاب الكفالة منها، وقد قيل: إن كان يورث بولد جاز إقراره من رأس المال، وإن كان يورث بكلالة جاز من الثلث وهذا على ما في كتاب المكاتب من المدونة، وقيل: إن إقراره لا يجوز كان يورث بكلالة أو ولد، وهذا على ما في كتاب أمهات الأولاد من المدونة في الذي يقر في أمة أنها ولدت منه ولا ولد معها. وأما إذا أقر لأجنبي فلا اختلاف في أن إقراره له جائز، فإن طلب ولم يوجد تصدق بها عنه كاللقطة بعد التعريف على ما قاله في رسم اغتسل من هذا الكتاب ومن كتاب الوصايا. وأما إذا أقر لمن لا يعرف فإن كان يورث بولد جاز إقراره من رأس المال أوصى بأن يتصدق به عنهم أو يوقف لهم، واختلف إن كان يورث بكلالة فقيل: إنه إن أوصى أن يحبس ويوقف حتى يأتي لذلك طالب فذلك جائز من رأس المال، وإن أوصى أن يتصدق به عنهم لم يقبل قوله ولا يخرج من رأس المال ولا من الثلث، قال هذا في رسم إن خرجت من سماع عيسى بعد هذا من هذا الكتاب، وقيل: إنه يكون من الثلث، وهذا القول قائم من كتاب المكاتب من المدونة، وقيل: إنه إن كان يسيرا جاز من رأس المال، وإن كان كثيرا لم يكن في رأس المال ولا في الثلث، وقعت هذه التفرقة في أول سماع عيسى من كتاب الوصايا، وبالله التوفيق.

.مسألة فلس العبد وفي يده مال لسيده:

وقال مالك: إذا فلس العبد وفي يده مال لسيده لم يؤخذ منه إلا أن يكون استتجره به، فإن كان استتجره به أخذ منه وما كان له من مال، لم يلحق رقبته من ذلك شيء.
قال محمد بن رشد: قوله: إذا فلس العبد وفي يده مال لسيده لم يؤخذ منه، يريد أنه لا يؤخذ منه للغرماء، ويكون السيد أولى به، وهذا إذا قامت عليه بينة، وأما إن لم يعرف ذلك إلا بإقرار العبد له فلا يجوز، وإن قامت عليه وفيه محاباة فقد مضى الاختلاف في ذلك في أول رسم من السماع، فلا معنى لإعادته. وقوله: فإن كان استتجره به أخذ منه وما كان له من مالا يريد أنه يؤخذ ذلك منه للغرماء فيتحاصون فيه، ولا يضرب السيد معهم فيه به على ما مضى في أول السماع، ولا اختلاف في ذلك. وقوله: إنه لا يكون في رقبته شيء من ذلك صحيح لا اختلاف فيه لأنه دين من الديون فهو في ذمته بخلاف الجنايات التي تكون في رقبته، وبالله التوفيق.

.مسألة هلك وترك عليه ثلاثة آلاف دينار ولم يترك من المال إلا ألف دينار:

ومن كتاب أخذ يشرب خمرا:
وسئل مالك عن رجل هلك وترك عليه ثلاثة آلاف دينار ولم يترك من المال إلا ألف دينار، ولم يترك وارثا إلا ابنا له، فيقول ابنه لغرمائه: خلوا بيني وبين هذا الألف دينار التي ترك أبي وأنظروني بدين أبي سنتين وأنا ضامن لكم جميع دين أبي، قال: أرأيت إن كان معه وارث غيره وترك مالا لا يعرف أفيه وفاء أم لا؟. قلت له: قد سمعت منك قولا، قال: فما هو؟ قلت له: إن كان فيه فضل كان بينه وبين ورثته على فرائض الله فلا بأس به، وإن كان فيه فضل كان له بما ضمن من النقصان فلا خير فيه، قال: نعم، قلت له: إنما أردت منك أنه وارث وحده ولم يترك إلا ألف دينار، وعلى أبيه ثلاثة آلاف، فسأل الغرماء أن يؤخروه في الأجل على أن يضمن لهم ما نقص من المال، فقال: أما مثل هذا فلا بأس به، وقد بلغني عن ابن هرمز مثل ذلك.
قال محمد بن رشد: رأيت لابن دحون أنه قال في هذه المسألة إنها مسألة ردية لولا أن مالكا رَحِمَهُ اللَّهُ تبع فيها ابن هرمز ما أجازها لأنه أخذ عينا ليعطي إلى أجل أكثر منه، ولأنه ضمن ما على أبيه من دين، وذلك مجهول لا يدري ما يطرأ على والده من دين، فلو قدم غريم لم يعلم به للزمه أن يدفع إليه، ولو اشترط ألا أودي إلا دين من حضر لم يجز لأن الغائب إذا قدم أخذ حصته منه بالحق، فكله مجهول، وكله غرر. وقول ابن دحون هذا غير صحيح، إذ لا يصح أن يتأول على مالك ولا على غيره من أهل العلم أنه أجاز هذه المسألة اتباعا لابن هرمز وهو يرى أنه كمن أخذ عينا ليعطي إلى أجل أكثر منه، وليضمن ما يطرأ على المتوفى من دين، وهو مجهول، إذ لا يجوز عند أحد من العلماء أن يقلد العالم العالم فيما يرى باجتهاده أنه خطأ، وإنما اختلفوا هل له أن يترك النظر في نازلة إذا وقعت ويقلد من قد نظر فيها واجتهد أم لا؟ ومذهب مالك الذي تدل عليه مسائله أن ذلك لا يجوز، فلم يتابع مالك رَحِمَهُ اللَّهُ في هذه المسألة ابن هرمز على قوله دون نظر، بل رآها جائزة لا بأس بها بنظره، وحكى ما بلغه عن ابن هرمز من إجازتها استظهارا لصحة نظره، واحتجاجا على من خالفه فيه، والوجه في ذلك أن الألف دينار التي ترك المتوفى لم تدخل بعد في ضمان الغرماء فيكونوا قد دفعوها في أكثر منها إلى أجل بدليل أنها لو تلفت ثم طرأ للميت مال لكانت ديونهم فيه، وكانت مصيبة الألف من الوارث، فلما كانت الألف باقية على ملك المتوفى جاز أن يحل الوارث فيها محله ويعمل مع الغرماء فيها ما كان يجوز له أن يعمله معهم لو كان حيا، ألا ترى أنه لو فلس فلم يوجد له إلا ألف دينار وللغرماء عليه ثلاثة آلاف دينار لجاز أن يتركوا له الألف ويؤخروه بحقوقهم حتى يتجر بها ويوفيهم حقوقهم، ولم يكونوا إذا فعلوا ذلك قد أعطوا ألفا في أكثر منها إلى أجل وإن كانوا قد ملكوا أخذ الألف إذ لم يحصل بعد في ضمانهم، فكذلك حالهم مع الوارث لأنه إذا رضي بذلك فقد أنزل نفسه منزلته، وكأنه أحيا ذمته وأبقاها، فهذا هو الذي ذهب إليه مالك، والذي يدل على ذلك من إرادته أنه لم يجز ذلك لأحد الورثة إذا كانوا جماعة إلا على أن يكون الفضل بينهم، لأن تجارته في الألف التي تركها الغرماء في يده إنما هي على ملك المتوفى، فهذا وجه قول مالك في هذه المسألة، والله أعلم، وسيأتي في رسم البيوع من سماع أشهب مسألة من هذا المعنى سنتكلم عليها إن شاء الله، وبه التوفيق.

.مسألة يتيم كان له مال عند رجل فاستهلكه وأفلس الرجل:

وسئل عن يتيم كان له مال عند رجل فاستهلكه وأفلس الرجل أترى أن يبدأ اليتيم؟ قال: بل أراه أسوة الغرماء.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله لأن مال اليتيم إذا استهلكه صار دينا من الديون في ذمته، لا مزية له على سائر الديون، فوجب أن يكون أسوة الغرماء، ولا خلاف في هذا أعلمه عند أحد من العلماء، وبالله التوفيق.

.مسألة إذا صالحه وهو لا يعرف أن له بينة فله أن يقوم عليه ببقية حقه إذا وجد بينته:

وسئل عن رجل كان له على رجل ذكر حق فضاع كتابه منه ونسي شهوده فاقتضاه فجحده بعض الحق وقال: ما لك علي إلا مائة دينار، وقال الآخر: بل لي عليك مائتا دينار ولكن قد ضاع كتابي وما أحفظ ما أشهدت عليك فيه فيصالحه على أن يزيده على المائة ويحط عنه من المائتين، ثم يجد بعد ذلك كتابه وفيه أسماء شهوده فيقوم بذلك، أترى أن له عليه نقض ما كان صالحه عليه؟ قال: إذا عرف هذا من قوله فإني أرى ذلك عليه، وأرى أن يغرم له بقية حقه.
قال محمد بن رشد: قوله إذا عرف هذا من قوله يريد إذا عرف من قوله قبل الصلح أن له ذكر حق قد ضاع منه وما يعرف شهوده، ففي هذا دليل على أنه إن لم يعرف ذلك من قوله فلا قيام له عليه في نقض الصلح، وذلك خلاف ما في كتاب الصلح من المدونة أنه إذا صالحه وهو لا يعرف أن له بينة فله أن يقوم عليه ببقية حقه إذا وجد بينته مثل ما في كتاب الجدار لمالك أنه إذا صالحه وهو جاهل ببينته أنه لا حق له، وقد يحتمل أن يكون معنى قوله: إنه إذا عرف هذا من قوله رجع ببقية حقه دون يمين، وإن لم يعرف ذلك من قوله لم يكن له أن يرجع عليه إلا بعد يمينه أنه إنما صالحه وكتابه قد ضاع وهو لا يعرف شهوده، فلا يكون على هذا التأويل في هذه الرواية دليل على خلاف ما في المدونة بل يكون مفسرا له في إيجاب اليمين، وقد فرق في كتاب الجدار بين المسألتين، فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال: أحدها أنه إذا صالحه فلا رجوع له عليه بوجود ذكر حقه، ولا بعثوره على بينة لم يعلم بها، والثاني أن له الرجوع عليه في الوجهين، والثالث أنه يرجع عليه إن وجد ذكر حقه ولا يرجع عليه إن عثر على بينة لم يكن علم بها. وقد يحتمل أن يقال في هذه الرواية على ظاهرها: إنها ليست بخلاف لما في المدونة وإنما فرق بين المسألتين، فتأتي على هذا التأويل وهو تأويل ظاهر. وفي المسألة قول رابع وهي التفرقة بعكس ما في كتاب الجدار، ولا اختلاف في أنه إذا صالحه ثم أقر له بحقه أن له الرجوع عليه، ولا في أنه إذا صالحه وله بينة غائبة قريبة الغيبة يعلم بها أنه لا رجوع له عليه إذا قدمت بينته، واختلف إذا كانت بعيدة الغيبة فاستحلفه أو صالحه فلما قدمت بينته أراد القيام بها عليه على ثلاثة أقوال: أحدها أنه لا قيام له عليه في الوجهين، والثاني أن له القيام عليه في الوجهين، والثالث أنه له أن يقوم عليه إذا استحلفه وليس له أن يقوم عليه إذا صالحه، وهذا القول هو مذهب ما في المدونة، وبالله التوفيق.

.مسألة يكون له على الرجل الحق فيغيب شهوده ثم يطلبه فيجحده أياما:

وسئل عن الرجل يكون له على الرجل الحق فيغيب شهوده ثم يطلبه فيجحده أياما ثم يدعوه إلى الصلح فيشهد في السر ويقول: إني إنما أصالحه لأنه جحدني وأخاف أن يذهب بحقي ولكن أصالحه فإذا حضر شهودي قمت على حقي، أفترى له ذلك؟ فقال: ما له تعجل يصالحه ثم يجيء يطلب هذا ويقول إنما أردت كذا وكذا؟ فكأنه لم يرد ذلك له، ورأى الصلح جائزا عليه فيما رأيت من تحسين قوله، قال ابن القاسم: وهو رأيي.
قال محمد بن رشد: لم يفرق في هذه الرواية بين أن يكون مغيب شهوده قريبا أو بعيدا، فالظاهر فيها أنه لا ينتفع بالإشهاد في السر وإن كانت غيبته بعيدة جدا خلاف ما في نوازل أصبغ من كتاب الدعوى والصلح أنه ينتفع بالإشهاد إن كانت غيبة شهوده بعيدة جدا، ويحتمل أن تتأول هذه الرواية على أن غيبة الشهود فيها ليست ببعيدة فلا يكون في المسألة اختلاف، وهو الأولى، ولا احتمال في أنه لا ينتفع بالإشهاد في السر إذا كانت بينته قريبة الغيبة، وبالله التوفيق.

.مسألة يهلك ويترك عرضا وعليه دين أكثر من عرضه:

ومن كتاب يسلف في المتاع:
وقال ابن القاسم: قال مالك في الرجل يهلك ويترك عرضا وعليه دين أكثر من عرضه فيقول بعض ورثته لأهل الدين: لا تكسروا عروضه ونحن نضمن لكم دينكم، قال مالك: لا أرى بأسا إن كانوا إن أصابوا في العروض فضلا عن الدين اقتسموه على فرائض الله فلا أرى به بأسا، وإن كانوا لا يقتسمونه على فرائض الله فلا أحبه، يعني بذلك الذين ضمنوه، قال ابن القاسم: والناض مثل العروض.
قال الإمام القاضي: هذه مسألة قد مضى القول فيها مستوفى في أول الرسم الذي قبل هذا، فلا معنى لإعادته. وقوله وإن كانوا لا يقتسمونه على فرائض الله فلا أحبه معناه وإن كانوا لا يقتسمونه على فرائض الله ويكون ذلك للذين ضمنوه فلا أحبه، وهو الذي أراد بقوله يعني بذلك الذين ضمنوه وقول ابن القاسم إن الناض مثل العروض يريد أنه مثله في أن ذلك لا يجوز، كان الفضل للذين ضمنوا، وأما إن كان الفضل لجميع الورثة فالعروض أخف من العين، وهو جائز في الوجهين، وبالله التوفيق.

.مسألة كان عليه دين فذكر في مال عنده أنه وديعة عنده:

ومن كتاب كتب عليه ذكر حق:
وسئل مالك عن رجل كان عليه دين فذكر في مال عنده أنه وديعة عنده، قال: إن كانت له بينة أو أتى بأمر يعرف فصاحبه أحق به من الدين إلا أن يأتي بأمر لا يعرف.
قال محمد بن رشد: قد مضى في آخر أول رسم من السماع أن إقراره بالدين جائز، فهو في الوديعة مثله أو أجوز، فيجوز إقراره بها إلا أن يأتي بأمر لا يعرف، وهو دليل قوله في هذه الرواية، وبالله التوفيق.